سورة يس - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)}
{على صراط مُّسْتَقِيمٍ} خبر ثان لأن، واختاره الزجاج قائلًا: إنه الأحسن في العربية أو حال من ضميره عليه الصلاة والسلام المستكن في الجار والمجرور أو الواقع اسم إن بناءً على رأي من يجوز الحال من المبتدأ؛ وجوز أن يكون متعلقًا بالمرسلين وليس المراد به الحال أو الاستقبال أي لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم، وأن يكون حالًا من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل، أو حالًا من نفس {المرسلين} [يس: 3].
والزمخشري لم يذكر من هذه الأوجه سوى كونه خبرًا وكونه صلة للمرسلين، وأيًا ما كان فالمراد بالصراط المستقيم ما يعم العقائد والشرائع الحقة وليس الغرض من الإخبار الإعلام بتمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته ليقال إن ذلك حاصل قبله لما أن كل أحد يعلم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم بل الغرض الإعلام بأنه موصوف بكذا وأن ما جاء به الموصوف بكذا تفخيمًا لشأنهما فسلكا في مسلك سلوكًا لطريق الاختصار، وأيضًا التنكير في {صراط} للتفخيم فهو دال على أنه أرسل من بين الصرط المستقيمة على صراط لا يكتنه وصفه وهذا شيء لم يعلم قبل، ولا يرد أن الطريق المستقيم واحد ليس إلا ألا ترى إلى قوله تعالى: {فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} [الأنعام: 153] لأن لكل نبي شارع منهاجًا هو مستقيم وباعتبار الرجوع إلى المرسل تعالى شأنه الكل متحد وباعتبار الاختصاص بالمرسل والشرائع مختلف فصح أنه أرسل من بني الصرط المستقيمة الخ. وأيضًا هو فرض والفرض تعظيم هذا الصراط بأنه لا صراط أقوم منه واقعًا أو مفروضًا ولا نظر إلى أن هنالك آخر أولًا، وهذا قريب من أسلوب مثلك لا يفعل كذا فافهم ولا تغفل.
وقوله تعالى:


{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)}
{تَنزِيلَ العزيز الرحيم} نصب على المدح أو على المصدرية لفعل محذوف أي نزل تنزيل.
وقرأ جمع من السبعة وأبو بكر. وأبو جعفر. وشيبة. والحسن. والأعرج. والأعمش بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والمصدر عنى المفعول أي هو تنزيل أي منزل العزيز الرحيم، والضمير للقرآن ويجوز إبقاؤه على أصله بجعله عين التنزيل؛ وجوز أن يكون خبر {يس} إن كان المراد بها السورة والجملة القسمية معترضة، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتمامًا فلا يقال: إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم.
وقرأ أبو حيوة. واليزيدي. والقورضي عن أبي جعفر. وشيبة بالخفض على البدلية من {القرءان} أو الوصفية له.
وأيًا ما كان ففيه إظهار لفخامة القرآن الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة، وفي تخصيص الاسمين الكريمين المعربين عن الغلبة الكاملة والرحمة الفاضلة حث على الإيمان به ترهيبًا وترغيبًا وإشعارًا بأن تنزيله ناشىء عن غاية الرحمة حسا أشار إليه قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107].


{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}
{لّتُنذِرَ} متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليه {لَمِنَ المرسلين} [يس: 3] أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر {قَوْمًا مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما نافية والجملة صفة {قَوْمًا} مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمراد بالإنذار الإعلام أو التخويف ومفعوله الثاني محذوف أي عذابًا لقوله تعالى: {إِنَّا أنذرناكم عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40] والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام.
وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم. وفي البحر الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة أما باشرة من أنبيائهم وأما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشًا ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين. وأما أن النذارة انقطعت فلا، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اه.
وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلًا فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبي كزيد بن عمرو بن نفيل. وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى: {على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل} [المائدة: 19] لأنها فترة إرسال وانقطاعها زمانًا لا فترة إنذار مطلقًا، وعن عكرمة {مَا} عنى الذي، وجوز أن تكون موصوفة وهي على الوجهين مفعول ثان لتنذر أي لتنذر قومًا الذي أنذره أو شيئًا أنذره الرسل آباءهم الأبعدين، وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتًا لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذارًا مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين، وقيل هي زائدة وليس بشيء {فَهُمْ غافلون} هو على الوجه الأول متفرع على نفي الإنذار ومتسبب عنه والضمير للفريقين أي لم ينذر آباؤهم فهم جميعًا لأجل ذلك غافلون، وعلى الأوجه الباقية متعلق بقوله تعالى: {لّتُنذِرَ} أو بما يفيده {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} وارد لتعليل إنذاره عليه الصلاة والسلام أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليه نحو اسقه فإنه عطشان على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما أنذر آباؤهم.
وقال الخفاجي: يجوز تعلقه بهذا على الأول أيضًا وتعلقه بقوله تعالى: {لّتُنذِرَ} على الوجوه وجعل الفاء تعليلية والضمير لهم أو لآبائهم اه، ولا يخفى عليك أن المنساق إلى الذهن ما قرر أولًا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8